فلسفة الجامعة
إن الطبيعة والمجتمع والتاريخ تمثل أساس العلم، فبعد ملايين السنيين من التطور الذي شهدته الحياة البشرية، وصل العقل البشري إلى مستوى التساؤل والاستفسار ونتيجة لذلك اتخذت الخطوة العلمية الأولى، حيثُ لم يتم كسر هذه السلسلة من البداية حتى الآن، لذلك يعود تطور اليوم إلى تلك البدايات، وإذا كانت التنمية تنكر بدايتها وأسبابها، فإنها تدمر بذلك أساسها.
وحين نريد أن نعطي للعلم تعريفاً جامعاً مانعاً فمن الضروري أولاً وقبل كل شيء أن نقول أنه `` الطبيعة مع عمل المجتمع اللذين يكملان ويطوران بعضهما عبر التاريخ، كل المعرفة التي أصبحت نظاماً، نستطيع أن نقول بأنه العلم ...'' كما يجب تضمين معنى الحياة والوجود، وكذلك المعرفة والقداسة المخفية في جوهر المجتمع، في هذا التعريف.
في التاريخ، واجه العمل العلمي العديد من العقبات الصعبة، استمرت مقاربات السلطة المهيمنة على العلم والنهج الأبوي تجاه الطبيعة والمرأة لآلاف السنين. كانت ثورة العصر الحجري الحديث التي قادتها المرأة مصدر العلم، عندما سرقت السلطة هذه المعارف العلمية من المجتمع، وفي الوقت نفسه إبعاد النساء اللائي كانت لديهن تلك المعرفة عن العلم.
منذ مئات السنين، تناضل النساء لدخول مجالات المعرفة والعلم التي هي تحت حكم السلطة والرجل، لكن تركن خارج هذه المجالات بالقوة، ويستمر هذا النضال اليوم في جميع المجالات الأكاديمية، وخاصة في الجامعات.
بعد الثورة الصناعية كانت معظم الجامعات محتكرة من قبل الدولة القومية، ووفقاً لمتطلبات الحكومة والدولة تحولت إلى التخصص، بشكل عام ومن خلال الجامعات والمختبرات أصبحت العلوم الطبيعية (الكيمياء والفيزياء والبيولوجيا وما إلى ذلك) في خدمة قطاعي الشركات والدولة، وتشكلت العلوم الاجتماعية (التاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس والفن والأدب) من خلال التفسيرات الوضعية. في المنافسة وسباق الرأسمالية للدولة والشركات، أصبح العلم أداة واستُخدم مرات عديدة. ونتيجة لهذا كانت الحربين العالميتين اللتان تسببتا في مذابح جماعية وتدمير قيم ذات مغزى.
ومن ناحية أخرى، فإن التكنولوجيا القاتلة التي تم استخدامها في كلتا الحربين العالميتين تم إنشاؤها للأسف في "المختبرات العلمية ''، و شكلت العلوم الاجتماعية التي تمت دراستها أساس الوعي بهذه الحقيقة.
لا تزال هذه العلاقة الخطيرة والمميتة بين السلطة والعلم في ذروتها اليوم.
الأمراض الجماعية والأسلحة النووية والبيولوجية والمجازر وتلوث الطبيعة والكوارث البشرية والجرائم ضد المرأة والجوع والانهيار الريفي والحضري إلخ ... هذا هو واقع يومنا هذا، لكن في الوقت نفسه ورغم ذلك يتم الإشادة بالعلم.
هل هذه الصورة القاتمة والمروعة لا علاقة لها بعلوم وجامعات عصرنا! للأسف هناك. السؤال الأكثر أهمية هو: هل هناك شر أعظم من الشر الذي يأتي من العلاقة بين شركات-العلم والدولة-العلم؟ قُتل وجرح وفقد حوالي مائة مليون شخص في الحربين العالميتين. لقد سقطت قيم الإنسانية، تم تفجير القنبلة الذرية على رأس المجتمع، تم تطوير هذه التكنولوجيا القاتلة في "المعامل العلمية ''. حتى اليوم، حيثُ جُلب مرض كورونا والعديد من الأمراض الأخرى للبشرية. من جهة يتم نشر إحصائيات (معدل الإحصاء) للمتوفين، ومن جهة أخرى تقدم الشركات التي تبيع الأدوية إحصاءات بمليارات الدولارات التي "كسبتها '' من هذا الوضع.
من جهة مرض السمنة في ما يسمى بالقارات " الديمقراطية والمتطورة ''، ومن جهة أخرى أمراض الجوع وصور الأطفال الجائعة وهم عظام فقط، في ما يسمى بالدول "المتخلفة ..!"
بعض أغنى أثرياء العالم الذين يملكون مئات المليارات من الدولارات قد دخلوا في سباق الثروة، لكن مليارات من البشر لا يجدون لا طعاماً ولا ماءً نظيفاً ..!
عندها يتكرر السؤال: كيف ومن أجل من؟ ومن أجل ماذا هي المعرفة والعلم والجامعة والمختبر... إلخ؟
النتيجة:
1- العلم وهويته وتعريفه قبل كل مميزات وخصائصه الأخرى هو "مجتمعي". لأن مستواه اليوم هو نتيجة آلاف السنين من عمل المجتمع. لكن الحداثة الرأسمالية تظهر نفسها على أنها مالكها وخالقها بروايات مضللة.
2- العلم بلا فلسفة وبعيداً عن الأخلاق الاجتماعية والعالمية هو سلاح موجه على المجتمع وهو على وشك الانفجار، فعندما انقطع العلم عن المجتمع الأخلاقي والسياسي، أصبح أداة قوة وضد المجتمع.
3- العلم يحتاج إلى العودة إلى طبيعته الاجتماعية، يمكن للعلم الذي يتطور مع العقل المشترك للمجتمع أن يوصل المجتمع إلى حقيقته وهدفه، ولن تكون اللوحات والحياة المظلمة والرهيبة حينئذ مصير المجتمع.
4- كمكان للعلوم والفلسفة، لا ينبغي أن تكون "الجامعة '' و ''الأكاديمية '' أدوات قوة ولتكن هويتها وجوهرها وهدفها اجتماعياً.
5- تحتاج الجامعات إلى أن تكون صانعة للوعي وناشطة للحقيقة في خلق وتطوير المجتمع الأخلاقي والسياسي.
6- على الجامعات أيضاً أن تكافح التمييز على أساس الجنس، وأن تعمل على تطوير الفرص الأكاديمية للمرأة في جميع مجالاتها.
7- مما لا شك فيه أنه من الضروري للجامعات أن تكون حاسمة وأن يكون لها مكانة في محاربة كل أنواع الاحتلال والإبادة الجماعية للمجتمع والطبيعة. وأن تكون داعمة للفلسفة والأخلاق والسياسة الاجتماعية، وأن تكون محافظة على الطبيعة وأن تكون لها دور قيادي.
8- إن قول "العلم قوة '' حقيقة، لكن المهم أن هذه القوة تستخدم أمام ماذا وأمام من، بالطبع يجب أن تكون هذه القوة بناءة واجتماعية، وألا تكون مدمرة وحاكمة.